يعتقد العديد من المراقبين السياسيين ان المستشارة الألمانية انجيلا ميركل فتحت أبواب الهجرة على مصراعيها في العام 2015 بعد تقرير للمعهد الاقتصادي الألماني في كولون تحدث عن الحاجة إلى 500 ألف مهاجر سنوياً كي تحافظ ألمانيا على ريادتها الاقتصادية في أوروبا.
ولايضع هؤلاء المراقبون العامل الإنساني على الرف وهم يحللون استقبال موجة قوامها مليون لاجيء في العام، لكنهم يضعون العامل الاقتصادي البشري في المقدمة. وقال يومها ميشائيل بومر، رئيس مؤسسة التوقع الاقتصادي العالمي الألمانية،"نحن بحاجة طارئة إلى مزيد من المهاجرين، ولسنين طويلة، لكن ذلك سيخفف من مشاكل ألمانيا الديموغرافية ونقص العمالة المتخصصة فقط، ولن ينهيها".
وجاء تعليق ميشائيل بومر لصحيفة "دي فيلت" المعروفة بعد نشر تقرير التوقعات الاقتصادية العالمية2015، الذي تحدث عن حاجة ألمانيا إلى نصف مليون مهاجر، وإلى مهاجرين آخرين بمعدل 200 ألف في السنة، حتى العام2050، إذا أرادت ألمانيا الحفاظ على معدلات نموها الاقتصادية الحالية.
140 ألف مهاجر غير أوروبي
ولا تختلف دراسة معهد برتلسمان الجديدة، بعد3 سنوات من تقرير المعهد الاقتصادي الألماني واستقبال نحو مليوني لاجيء، مختلفة في نتائجها كثيراً، لأنها تتحدث عن الحاجة إلى 260 ألف مهاجر سنوياً في الأقل حتى العام2060. إذ تتوقع ألمانيا نزوح نحو120 ألف مهاجر، من جنوب وشرق أوروبا، إليها بحثاً عن العمل.
وتضع الدراسة الاكاديميين والمختصين في المعلوماتية في مقدمة حاجة ألمانيا للقوى العاملة المهاجرة في السنين المقبلة، لكنها تؤكد الحاجة إلى140 ألف مهاجر ماهر وغير ماهر من بلدان العالم الثالث لتغطية حاجة قطاعات الخدمات والعمل وغيرها.
أن استقبال هذا العدد من المهاجرين سنوياً، الذي تفرضه قلة الولادات وشيخوخة المجتمع الألماني، سيعزز الاقتصاد الألماني، بحسب دراسة معهد برتلسمان. ويتوقع خبراء المعهد ان ترتفع نسبة الولادت في ألمانيا خلال السنوات المقبلة بفضل المهاجرين، وستجد نسبة أعلى من النساء عملاً في الاقتصاد، بل وان النساء سيتساوين مع الرجال في الأجر، كما ستدفع هذه التطورات المؤسسة السياسية إلى رفع سن التقاعد إلى70 سنة.
وتوكد الدراسة ان الهجرة من جنوب وشرق أوروبا لن تكفي لوضع الاقتصادي على سكة منافسة الاقتصاديات الأوروبية الأخرى في فرنسا وبريطانيا، وان بلداناً مثل بولندا ورومانيا وبلغاريا ستعجز مستقبلاً عن تصدير العمالة المهاجرة، لأنها نفسها ستعاني من ظاهرة قلة الولادات وشيخوخة المجتمع.
وفي ضوء الوضع الاقتصادي الحالي، ومعدلات نموه في الأربعين سنة المقبلة، سيكون سوق العمل في ألمانيا بحاجة إلى98 ألف مهاجر غير أوروبي سنوياً حتى2035. وبعدها سيكون الاقتصاد بحاجة إلى170 ألف مهاجر أوروبي وغير أوروبي سنوياً بين2036 و2050، وإلى200 ألف سنوياً حتى العام 2060.
انخفاض معدلات المهاجرين لا ينفع
ويجد يورغ دريغر، من رئاسة معهد برتلسمان، ان معدلات تدفق المهاجرين إلى ألمانيا انخفض في السنوات الأخيرة، بعد تشدد السلطات الألمانية والأوروبية في القوانين وعلى الحدود، وانه بلغ سنة2017 مجرد38 ألفاً.
ويضيف دريغر ان على القيادة السياسية ان تنظر في كيفية رفع معدلات تدفق المهاجرين مجدداً. وشدد على ضرورة ان تسن ألمانيا قانوناً جديداً للهجرة يخدم مصلحة البلد الاقتصادية، ويسعى إلى سد الثغرات في نقص الايدي العاملة في مختلف القطاعات الاقتصادية.
ويرى اكسل بلونيكه، الخبير في المعهد الاقتصادي الألماني، ان على ألمانيا ان تعاود سياسة" الترحيب باللاجئين" التي أطلقتها المستشارة الألمانية. وضرب الهند كمثل، حيث تسعى دولة الهند بجد، إلى ارسال شبابها للتدريب والتحصيل العلمي في ألمانيا، وهناك اقبال كبير في الهند على تعليم اللغة الألمانية في مختلف فروع معاهد غوته اللغوية المعروفة.
ويدعو بلونيكه أيضاً إلى التساهل في تقييم دراسات ومعارف وكفاءات المهاجرين، لأن التشدد الحالي في مقارنة مستويات العمالة والكفاءات في ألمانيا ما عاد مناسباً.
العمالة في ألمانيا ستنخفض بنسبة الثلث بدون مهاجرين
كلّف معهد برتلسمان، في إطار دراسته الجديدة، "معهد سوق العمل الأبحاث المهنية" في جامعة كوبورغ الألمانية، بدراسة مستقبل السوق في ألمانيا خلال السنوات القادمة.
وتوصل المعهد الأخير إلى أن الطلب على العمل في ألمانيا سينخفض بمقدار16 مليون عامل حتى العام2016 إذا أوقفت ألمانيا استقبال المهاجرين. وهذا يعني ان الطلب على العمل سينخفض بنسبة الثلث خلال أربعين سنة، وان الاقتصاد سيعاني الأمرين من ذلك.
وتوقعت الدراسة من كوبورغ أيضاً ان تنخفض معدلات الهجرة من الدول الأوروبية بالتدريج خلال الأعوام المقبلة، وأن هذه الحال ستفرض على ألمانيا استقبال المزيد من المهاجرين غير الأوروبيين.
ووضعت الدراسة في عين الاعتبار التطور الاقتصادي في العديد من بلدان أوروبا الشرقية والجنوبية، وتوقعت ان حافز الهجرة إلى أوروبا الغربية بحثاً عن العمل سيفقد معناه بالنسبة لملايين الناس هناك.
وطبيعي فأن التشدد في شروط القبول في ألمانيا، وضعف الاجور، سيسهمان في"تطفيش" المهاجرين من أوروبا إلى ألمانيا، ولابد هنا من وضع شروط جديدة. وواضح هنا ان هجرة الأوروبيين إلى ألمانيا قد انخفضت بمقدار 250 ألف مهاجر في العام2017، بحسب دراسة معهد برتلسمان.
وتختلف القطاعات الاقتصادية في ألمانيا من ناحية حاجتها للعمال، ولكنه من الواضح ان قطاعات رعاية المسنين والخدمات، ستكون بحاجة أكبر إلى العاملين بفعل تناقص الولادات وزيادة معدلات الأعمار. ويمكن للمهاجرين غير الأوروبيين هنا ان يلعبواً دوراً مهماً في سد الثغرة في نقص العمل.
الهجرة من ألمانيا تزداد
المقلق بالنسبة للاقتصاد الألماني هو ان الألمان المتعلمين يهاجرون من بلدهم بينما يبحث الاقتصاد عن العمالة بين المهاجرين.
وهاجر سنة2016 نحو281 ألف ألماني من بلده باتجاه أوروبا والولايات المتحدة وكندا. وكان هذا الرقم138 ألف مهاجر ألماني سنة2015 ومجرد99 ألفاً سنة1999. وهذا يزيد في العام2016 عن المعدل الذي طرحته دائرة الهجرة والبالغ140 ألفاً في السنة.
وتشير دائرة الاحصاء المركزية إلى هجرة 17 ألفاً من الألمان إلى سويسرا، و13 ألفاً إلى الولايات المتحدة، و10 آلاف إلى النمسا...إلخ في نفس العام. وإذ يهاجر الاجانب إلى ألمانيا بحثاً عن العمل، يهاجر الألمان إلى الخارج بحثاً عن شروط عمل أفضل وأجور أعلى، وينطبق هذا على وجه الخصوص على الاختصاصيين في مختلف الفروع العلمية.
ولادات أقل
وضع المعهد الاقتصادي العالمي في هامبورغ ألمانيا في ذيل قائمة البلدان الأكثر توالداً في العالم بمعدل 8,28 ولادة لكل1000 مواطن تليها اليابان بمعدل8,36. شملت الدراسة 209 دولة وتوقعت أن ينخفض المعدل أكثر في العقدين القادمين في ألمانيا.
وينتظر تقرير التوقعات الاقتصادية الدولي معدل نمو ألماني لايزيد عن1,3% في العام، وحتى العام 2040، وواضح ان هذا المعدل يقل عن معدل التوقعات الاقتصاديات في الدول الأوروبية الصناعية الأخرى مثل فرنسا. إذ يتوقع التقرير معدلاً لنمو الاقتصاد في البلدان الأخرى يبلغ 1,8% في السنة.
ويضيف التقرير حول ألمانيا"تصدرنا معدلات النمو في أوروبا لفترة طويلة، لكن ذلك لن يدوم بالعلاقة مع معدل توالد الألمان الضعيف". الأدهى من ذلك هو ان فئة أعمار الألمان في سن العمل، ورغم موجات اللاجئين، سينخفض بمقدار7 ملايين انسان(13%) في ذات الوقت.
علماً ان دائرة الاحصاء المركزية الألمانية تقدر ان تنقص نفوس ألمانيا(82 مليونا حالياً) بمقدار1,3 مليوناً حتى العام 2040.
ومع استمرار هذه الحال لن تبقى ألمانيا، التي يتصدر نموها الاقتصادي أوروبا، في المقدمة إذا استمرت بوصلة نموها الديموغرافي تؤشر باتجاه تحولها إلى"مجتمع عجوز" من المتقاعدين. وفضلاً عن أعداد المهاجرين الذين تحتاجهم ألمانيا، سيقع على المتقاعدين والنساء الألمانيات مستقبلاً، العودة إلى مواقع العمل أيضاً، كي ينهضوا بمهمة الحفاظ على النمو الاقتصادي.
اللاجئون سينعشون الاقتصاد الألماني
قبل سنة من الآن، وفي خضم الحملة الانتخابية، نشر معهد الدراسات الاقتصادية الألماني دراسة حول مصير اللاجئين الشباب خلال10 سنوات من الآن. وجاء في الدراسة ان اللاجئين الشباب سيكونون حافزاً اقتصادياً جيداً للمجتمع الألماني الكهل. وتأتي الدراسة رداً على ادعاء بعض سياسيي المحافظين الذين يرون اللاجئين عبئاً اقتصادياً على المجتمع الألماني.
استندت دراسة المعهد، التابع لجامعة هومبولد البرلينية، على دراسة مصائر جيل اللاجئين الجدد الذي وصلوا إلى ألمانيا 1990و2010، وكيف اندمجوا في المجتمع والاقتصاد الألمانيين.
وتشير الدراسة أن البداية كانت صعبة بالنسبة لغالبية الشباب الذي وفدوا إلى ألمانيا في تلك الفترة وهم بمعدل عمر23 سنة. وخصوصاً في مجالات اللغة والتدريب المهني والدراسة.
كان 86% منهم ذوي خبرة في العمل اقتنوها في بلدانهم، إلا أن20% منهم حرموا من استكمال الدراسة بسبب ظروف الحروب والحروب الأهلية والتشرد. وكانت نسبة من لم يكملوا تعليمهم بين اللاجئين من فئات أعمار أكبر لاتزيد عن10%.
وكان الشباب بين لاجئي تلك الفترة أسرع منْ تعلم اللغة الألمانية وتعلم في التدريب والتأهيل المهنيين وافضل من أرسل اولاده إلى المدارس أيضاً.
وكان لاجئو 1999-2010 عموماً أقل سرعة في اندماجهم من بقية المهاجرين(من شرق أوروبا كمثل)، واحتاجوا إلى فترة أطول من غيرهم.
الاقتصاد الألماني نما بفضل المهاجرين
وجد ثلثا الرجال، وربع النساء، من الشباب اللاجئين بين 1999-2010 عملاً خلال خمس سنوات من اقامتهم في ألمانيا. وتوقع مارتن غروه من المعهد، على أساس هذه الاحصائيات، أن يمتلك لاجئو اليوم فرصة أفضل في الاندماج، خصوصاً وان دراسات سابقة تقول ان نسبة المتعلمين والمؤهلين بينهم أعلى بكثير، بل واعلى بين السوريين منها بين الألمان. وعبر غروه عن أمله باندماج سريع للاجئين الذين وفدوا في العام2014 و2015، وخصوصاً في ظل المساعدات التي تقدمها غرف التجارة والصناعة والمبادرات الاجتماعية.
والمهم هو توجيه وتعريف اللاجئين الجدد بكيفية استخدام معارفهم ومؤهلاتهم للحصول على عمل في ألمانيا، ولم يكن لاجئوا الاعوام السابقة يعرفون عن ذلك إلا بنسبة 30%.
ويشير"معهد دراسات مستقبل العمل"(IZA) إلى ان الاقتصاد الألماني نما بنسبة 3,5% بفضل الهجرة بين 88-1991، وكان ذلك بفضل مهاجرين يشكل اللاجئون السياسيون، من غير الأكاديميين، نسبتهم الأكبر. ولهذا فمن المتوقع ان ينمو الاقتصاد الألماني بين2005 و 2020 بنسبة 4,5% بفضل المهاجرين المتعلمين.
ويقول كلاوس زمرمان، رئيس معهد(IZA)، ان عدد القوى العاملة المتخصصة في ألمانيا سينخض بمقدار2 مليون عامل حتى 2030 لو ان ألمانيا توقفت عن استقبال المهاجرين. وسينخفض اجمالي عدد القادرين على العمل، بفعل ارتفاع نسبة المتقاعدين في ألمانيا، بمقدار 6 ملايين عامل خلال نفس الفترة.
من الصعب الحديث اجتماعياً عن تغير كبير أحدثته موجات اللاجئين عام2015 في المجتمع الألماني، ربما عدا عن الارتفاع الكبير لعدد الوجوه السمراء في الشوارع والحافلات والمخازن، ونظرات القلق التي يوجهها بعض الألمان إليهم. يضاف إلى ذلك محاولة اللاجئين السوريين الاندماج في الحياة اليومية، كما حصل ذلك أثناء افتتاح موسم الكرنفال، وفي ألعاب كرة لقدم والاحتفالات الموسيقية الشارعية.
زاد استهلاك الفرد في ألمانيا بنسبة 5% حسب احصائيات اتحاد تجارة المفرد، وذلك بفضل اللاجئين. وسبق لمعهد الدراسات الاقتصادية الألماني أن نبه إلى ضرورة النظر إلى اللاجئين كمستهلكين وليس كمتلقين للمساعدات، لأن ما يناله اللاجيء من مال بسيط يستهلكه في السوق الألمانية.
وبسبب اللاجئين نشطت أعمال البناء بشكل لافت، وقررت ولاية الراين الشمالي فيستفاليا، بناء 200 ألف وحدة سكنية، وترميم واعادة تأهيل 100 ألف وحدة سكنية أخرى، بهدف حل أزمة السكن في الولاية، وبغية اسكان المهاجرين.
ووضعت الولاية خططاً لدعم قطاع البناء الخاص وتقديم القروض بشروط مخففة...إلخ بهدف تحقيق هذا الهدف في أقرب وقت ممكن. ومع ازدهار سوق العقار برزت ظاهرة الاثراء على حساب اللاجئين، وصار أصحاب الكراجات والبيوت والورش...ألخ المهملة يحولون هذه الأماكن إلى شقق صغيرة يؤجرونها على اللاجئين.
وكتبت الفريدا كيرتسل في "مجلة غرفة التجارة والصناعة في ميونخ/ العدد الرابع 2014" مايلي:"المهم في النقاش حول أزمة اللاجئين أن يجري نقاشها من ناحية سد النقص في القوى العاملة. إذ يمكن من خلال دمجهم بالعمل تحسين حياتهم، وتحسين الحياة في ألمانيا، كما ينال الاقتصاد الألماني الأيدي العاملة التي يحتاجها".
- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً