ويحصد توقف القلب المفاجئ سنوياً حياة مئات الآلاف من الأشخاص في العالم، ويصيب الجميع، صغاراً وكباراً، إلا أن مواصفات الأشخاص الذين تعرضوا لتوقف القلب المباغت غالباً ما تقع أعمارهم بين سن 45 و75 سنة، ومعظمهم من الذكور، ويشكون من ارتفاع في الضغط الشرياني أو من الداء السكري أو من البدانة ومن زيادة الكوليسترول السيئ في الدم، ولا يمارسون الرياضة، ويملكون تاريخاً عائلياً أو شخصياً بمرض في القلب، إلا أن هناك توقفات قلبية مفاجئة تحصل لأصحاء غير مصابين بأي من هذه الأمراض.
وقد ذكرت وسائل الإعلام أن هناك حالات وفيات مفاجئة أصابت في السنوات الأخيرة شباناً ورياضيين أصحاء في الملاعب الرياضية، ما أثار حيرة الأطباء والعلماء حول الأسباب التي تجعل القلب يتوقف فجأة عن الخفقان.
فما هي أسباب توقف القلب المفاجئ لدى الشباب؟ هناك أسباب مختلفة ، أهمها: طفرات جينية: وفي هذا الإطار كشف علماء دنماركيون طفرة في جينة مسؤولة عن إنتاج بروتين مهم يعمل كجهاز حساس على قياس تركيز شوارد الكالسيوم في خلايا الجسم، هي التي تتسبب في الموت المفاجئ والغامض للقلب عند الأشخاص الأصحاء من الشباب والأطفال. وبيّن القائمون على الدراسة التي نشرت نتائجها في المجلة الأميركية للجينات البشرية، أن الطفرة الجينية المذكورة تحدث خللاً في قياس تركيز الكالسيوم في خلايا العضلة القلبية بحيث لا تكون دقيقة، ما يطلق العنان لاضطرابات في نظم القلب هي التي تقود الى توقفه. ضخامة العضلة القلبية: وفي هذا المرض تكون جدران العضلة سميكة في شكل غير طبيعي ما يجعل العضلة عاجزة عن ضخ الدم الى مختلف أجهزة الجسم. وتعد ضخامة القلب السبب الأكثر شيوعاً للموت القلبي المفاجئ لدى الأشخاص دون سن الثلاثين، خصوصاً لدى الرياضيين، وكثيراً ما يكون المجهود الرياضي هو العامل الأول الذي يشير الى وجود هذا النوع من المرض. تشوهات في الشرايين القلبية: وهي تؤدي الى سوء في تروية القلب أثناء القيام بنشاط رياضي نتيجة الانضغاطات الشديدة التي تحصل في الشرايين. خلل في كهربائية القلب: قد يكون موروثاً أو مكتسباً، ويؤدي الى اضطراب في نبض القلب، قد يكون عدم انتظام أو سرعة أو تباطؤاً، ما يسفر عن إغماء قد ينتهي بتوقف القلب المفاجئ.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل من علامات تحذر من خطر وقوع الموت القلبي المفاجئ؟ هناك علامتان تحذيريتان يجب أخذهما على محمل الجد، هما: الإغماءات غير المبررة، ووجود تاريخ عائلي بوفاة القلب المفاجئة. لكن هذا لا يعني إهمال علامات أخرى، مثل ضيق التنفس، وآلام في الصدر، فوجود هذه قد يعني أن هناك مشكلة ما في القلب، أو ربما مشكلة صحية أخرى لا علاقة لها بالقلب. كيف تتصرف إذا شاهدت شخصاً تعرّض لتوقف القلب المفاجئ؟ لا بد من العمل بسرعة من أجل تطبيق خطة الإنعاش القلبي- الرئوي واستعمال أجهزة الصدم الكهربائية إذا توافرت، والاتصال بطوارئ أقرب مستشفى لنقل المصاب على عجل.
وفي النهاية، لا بد من التنويه بالنتيجة التي تمخضت عنها دراسة لباحثين من كلية الطب بجامعة ميتشيغن، فقد خلص هؤلاء الى أن الأنظار في الفترة الحرجة التي تسبق الموت يجب أن تنصب على الدماغ بدلاً من القلب، على عكس ما هو متعارف عليه في الأوساط الطبية حول الاهتمام بالقلب أولاً. فقد درس العلماء نشاط القلب والدماغ في الفئران في اللحظات التي سبقت موتها من خلال رصد نقص الأوكسيجين في الجسم، ووجدوا أن الدماغ بعث بسيل من الإشارات الى القلب هي التي تسببت في توقفه. وفوجــئ الباحثون أنه عند اعتراض تلك الإشارات نجا القلب من الموت.
فهل ما حصل مع الفئران ينطبق على الإنسان؟ إذا تأكد أن الأمر يحدث عند البشر يصبح هناك أمل كبير بإمكان ابتكار أدوية تقطع «المشاورات العاجلة» التي تحصل بين الدماغ والقلب في الفترة القصيرة التي تسبق توقف القلب، ما يؤدي الى إنقاذ حياة مئات الآلاف من الأشخاص .
- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً