في تلويح لافت، نبّهت مصر، أمس، إلى أن «أجهزتها كافة» تواصل «الاهتمام البالغ» بشأن قضية «سد النهضة» الذي تدشنه إثيوبيا، وذلك ضمن «مسؤولياتها الوطنية في الدفاع عن مصالح المصريين بكل الوسائل المتاحة».
وفيما قال السودان إنه أبدى ملاحظات على مسودة الاتفاق النهائي الذي ترعاه واشنطن لتضمينها في نصوصه، مضت أديس أبابا في مسار البدء في الملء، على الرغم من دعوة واشنطن إلى تجنب الخطوة قبل الاتفاق. وجاءت إشارة مصر إلى «الوسائل كافة»، بعد تخلّف إثيوبيا عن المشاركة في الاجتماعات التي تستضيفها واشنطن بشأن السد، وهو ما عدّته القاهرة غياباً «غير مبرر». وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تحدث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عن «الالتزام بحماية الحقوق المائية، ضمن إجراءات على الصعيد السياسي، وفي إطار محددات القانون الدولي».
وتخشى القاهرة من أن تؤدي طريقة ملء وتخزين المياه خلفه إلى الإضرار بحصتها من مياه النيل، والتي تقدر بـ55.5 مليار متر مكعب، وتعتمد عليها بنسبة أكثر من 90% في الشرب والزراعة والصناعة.
وترعى الولايات المتحدة الأميركية بحضور ممثلين عن البنك الدولي، منذ 4 أشهر تقريباً مفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان، أثمرت توافقاً مبدئياً بشأن بعض النقاط المتعلقة بـ«سد النهضة». وكان مقرراً أن يتم التوقيع النهائي على بنود اتفاق شامل نهاية فبراير (شباط) الماضي.
وفي حين قالت مصر، أمس، إنها وقّعت بـ«الأحرف الأولى على الاتفاق المطروح تأكيداً لجديتها في تحقيق أهدافه ومقاصده»، أعربت عن تطلعها إلى أن «تحذو كل من السودان وإثيوبيا حذوها في الإعلان عن قبولهما بهذا الاتفاق والإقدام على التوقيع عليه في أقرب وقت باعتباره اتفاقاً عادلاً ومتوازناً ويحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث».
وفيما بدا دعماً ضمنياً من واشنطن لموقف مصر من نصوص الاتفاق، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية بياناً، أمس، قالت إن «الاتفاقية بشكلها الحالي تضع حلولاً لكل القضايا العالقة حول ملء وتشغيل سد النهضة وتتأسس على المبادئ المتفق عليها بين الدول الثلاث في إعلان المبادئ الموقّع في 2015 وبالأخص مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول، ومبدأ الالتزام بعدم إحداث ضرر جسيم ومبدأ التعاون».
وشددت واشنطن، أمس، على «أهمية عدم البدء في ملء سد النهضة من دون إبرام اتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان». معربةً عن «التقدير لاستعداد مصر للتوقيع النهائي على الاتفاقية، وكذلك توقيع القاهرة عليها بالأحرف الأولى».
لكنّ إثيوبيا ردّت على «البيان الأميركي»، وقالت إنها ستواصل «عمليات بناء السد إلى جانب بدء عملية ملء البحيرة»، كما رفضت توقيع مصر بالأحرف الأولى على المبادئ التوجيهية وقواعد التشغيل السنوي للسد. وقالت إثيوبيا، في بيان لوزارتي الخارجية والري، إنها عازمة على المُضي قدماً بصفتها المالك لسد النهضة، في «البدء بالتخزين المبدئي دون الإضرار الجسيم بدولتي المصب اتساقاً مع ما جاء في إعلان المبادئ». وشددت إثيوبيا، في بيانها، على أنّها «لا توافق على ما جاء في الاتفاقية فيما يخص قواعد ملء وتشغيل السد؛ لأنها تعكس رأي مصر وليس الدول الثلاث»، مشيرةً في الوقت ذاته إلى أنّه لا يزال يتعيّن على البلدان الثلاثة «معالجة القضايا المتعلقة بقواعد الملء والتشغيل». وأوضحت إثيوبيا أنها نفّذت كل إجراءات السلامة الإنشائية للسد، كما جاء في تقرير اللجنة الدولية وباعتراف مصر والسودان في البند الثامن من إعلان المبادئ، مؤكدةً أنها ستستمر في هذه الإجراءات لضمان السلامة الإنشائية للسد. كما أشارت إلى أنها «لا تزال ملتزمة بالتواصل والتفاوض مع كل من السودان ومصر حتى يتم التوصل إلى توافق حول قواعد ملء وتشغيل السد».
بدوره، قرر مجلس الوزراء الإثيوبي، مساء أمس، أن أديس أبابا لن تشارك في أي مفاوضات حول سد النهضة، من شأنها أن تضر بمصالح البلاد الوطنية، جاء ذلك في ختام الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء برئاسة آبي أحمد.
بدوره أكد السودان «ضرورة التوصل لاتفاق شامل يتضمن تشغيلاً آمناً لسد النهضة قبل بدء عملية الملء الأول والتشغيل»، فيما «أدرجت (الخزانة الأميركية) ملاحظات تقدم بها الوفد السوداني في مسودة اتفاق الملء الأول وتشغيل سد النهضة».
وجدد السودان التزامه بعملية التفاوض للوصول إلى اتفاق شامل لملء وتشغيل السد الإثيوبي بما يحفظ مصالح الدول الثلاث.
كان وزير الخارجية المصري سامح شكري، قد قال منتصف الشهر الماضي، إن «المفاوضات (التي ترعاها واشنطن) انتهت، حسبما أفاد الجانب الأميركي، وواشنطن ستطرح على الدول الثلاث نصاً نهائياً، ليُعرض على الحكومات ورؤساء الدول لاستخلاص مدى استعدادها لتوقيعه».
ورأت الخارجية المصرية، أمس، أن موقف مصر «اتسم خلال كل مراحل التفاوض المُضني على مدار السنوات الخمس الماضية، والتي لم تؤتِ ثمارها، بحُسن النية وتوفُّر الإرادة السياسية الصادقة في التوصل إلى اتفاق يلبي مصالح الدول الثلاث».
كما رأت القاهرة، أمس، أن المفاوضات المكثفة التي رعتها واشنطن والبنك الدولي تمكنت من «بلورة الصيغة النهائية للاتفاق، والتي تشمل قواعد محددة لملء وتشغيل سد النهضة، وإجراءات لمجابهة حالات الجفاف والجفاف الممتد والسنوات الشحيحة، وآلية للتنسيق، وآلية ملزمة لفض النزاعات، وتناول أمان سد النهضة والانتهاء من الدراسات البيئية».
وأضافت أنه «على ضوء ما يحققه هذا الاتفاق من الحفاظ على مصالح مصر المائية وضمان عدم الإضرار الجسيم بها، فقد قامت مصر بالتوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق المطروح، تأكيداً لجديتها في تحقيق أهدافه ومقاصده».
وخاضت أطراف مفاوضات سد النهضة مباحثات بدأت منذ 8 سنوات دون التوصل إلى نتيجة.
ونوهت «الخزانة الأميركية» إلى أنها «سهّلت إعداد اتفاق بشأن ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي بناءً على الأحكام التي اقترحتها الفرق القانونية والتقنية في مصر وإثيوبيا والسودان وبمساهمة فنية من البنك الدولي».
وأضافت أننا «ندرك أن إثيوبيا تواصل مشاوراتها الوطنية، ونتطلع إلى اختتام عمليتها في أقرب وقت ممكن لتوفير توقيع الاتفاق في أقرب وقت ممكن»، موضحةً أنه «تماشياً مع المبادئ المنصوص عليها في اتفاقية إعلان المبادئ، ولا سيما مبادئ عدم التسبب في ضرر كبير لبلدي المصب، لا ينبغي إجراء الاختبار النهائي وملء دون اتفاق».
كما أشارت الوزارة الأميركية إلى أنها تلاحظ «قلق سكان المصب في السودان ومصر بسبب العمل غير المكتمل على التشغيل الآمن للسد، والحاجة إلى تنفيذ جميع تدابير السلامة اللازمة للسدود وفقاً للمعايير الدولية قبل بدء الملء».
- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً