-
محافظات وأقاليمفتحي بن لزرق يكتب شهادة لله قبل دخوله غرفة العمليات
-
محافظات وأقاليمالريال اليمني يسجل تعافي جديد أمام العملات الأجنبية
-
صحةوزير الصحة يترأس اجتماعين للطوارئ الصحية ومشروع التأهب والاستجابة للاوبئة
-
محافظات وأقاليمنفي رسمي من التكتل الوطني بشأن شائعات إعادة هيكلة مجلس القيادة
-
محافظات وأقاليمإنفوجرافيك.. رئيس الوزراء سالم صالح بن بريك يرأس اجتماعًا طارئًا لمواجهة أضرار السيول
-
إقتصادارتياح شعبي واسع في عدد من المحافظات عقب تخفيضات مجموعة هائل سعيد أنعم
-
محافظات وأقاليموزارة الاتصالات تعلن قرب تدشين مبيعات خدمة "عدن نت 4G" في محافظات عدن وأبين ولحج وحضرموت
-
محافظات وأقاليمإنفوجرافيك| مجلس الوزراء يتدارس الوضع الوطني وأضرار الفيضانات
"سديم الفراشة" يكشف أسراراً جديدة عن نشأة الأرض

2025/09/01
الساعة 12:25 صباحاً
(متابعات)
في أعماق "كوكبة العقرب"، وعلى بُعد نحو 3400 سنة ضوئية من كوكبنا، يتألق مشهد سماوي ساحر يعرفه علماء الفلك باسم "سديم الفراشة"، والتي تظهر في صورة مشهد مهيب يشبه جناحي فراشة عملاقة مضاءة بألوان من الغاز والغبار الكوني، لكنه ليس مجرد لوحة بديعة، بل مختبر طبيعي يخزن بين ثناياه أدلة على كيفية نشأة العوالم الصخرية مثل كوكب الأرض.
وتكشف دراسة منشورة في دورية الجمعية الملكية البريطانية للفلك، بالاعتماد على بيانات من تلسكوب جيمس ويب الفضائي وشبكة هوائيات ألما في تشيلي، عن تفاصيل دقيقة وغير مسبوقة عن بنية السديم وخصائص غباره الكوني، لا تقتصر على وصف جمالي للظاهرة، بل تمثل نقلة مهمة في فهم السؤال الأكبر: من أين جاءت المواد الأولية التي شكلت الكواكب الصخرية والحياة على الأرض؟
السدم الكوكبية ليست "كواكب" كما يوحي الاسم الذي احتفظ به الفلكيون منذ قرون؛ نتيجة الشبه المرئي بينها وبين الكواكب في التلسكوبات القديمة.
والسدم هي مشاهد نهائية مذهلة في دورة حياة النجوم متوسطة الكتلة؛ أي نجوم تقارب كتلتها كتلة الشمس أو أكبر قليلاً، وتتشكل عندما يستنفد النجم وقود الهيدروجين والهيليوم في نواته، ويبدأ طرده لطبقاته الخارجية، فتتوهج الطبقات المطرودة بضوء النواة الساخنة المتبقية، فتنشأ هياكل غازية وغبارية بديعة تستمر عادة لفترة زمنية قصيرة فلكياً، على مقياس عمر النجوم، تمتد عادة لعشرات الآلاف من السنين، إذ يبلغ العمر النموذجي لمرحلة السديم الكوكبي ما بين 10 آلاف إلى 20 ألف سنة.
قبل أن يتحول النجم إلى سديم كوكبي، يمر بمرحلة متضخّمة تعرف باسم العملاق الحمر المتطور، حيث يتوسع النجم وتزداد معدلات فقدان الكتلة عبر رياح نجمية قوية تحمل غازات وغبار إلى الفضاء.
وتكون هذه الرياح تكون غنية بالعناصر المشكلة داخل النجم عبر التفاعل النووي؛ كالكربون والنيتروجين والسليكون والمعادن الأثقل من الحديد، وتطرد على دفعات أو خلال نبضات تحدث تغيراً في معدل التدفق.
وفي نهاية المطاف تتكشف نواة النجم الحارة، فتبدأ بإصدار أشعة فوق بنفسجية شديدة تؤين الغازات المحيطة، ويظهر السديم الكوكبي كمصباح متوهج من خطوط طيفية واضحة.
حلقة دائرية الشكل وفقاعات مترابطة من الغاز الغباري تحيط بالنجم المركزي لسديم الفراشة. تتخذ الحلقة شكلاً رأسياً، وتكاد تكون على الحافة من منظورنا، وتتقاطع مع فقاعات الغاز التي تُحيط بالنجم
حلقة دائرية الشكل وفقاعات مترابطة من الغاز الغباري تحيط بالنجم المركزي لسديم الفراشة. تتخذ الحلقة شكلاً رأسياً، وتكاد تكون على الحافة من منظورنا، وتتقاطع مع فقاعات الغاز التي تُحيط بالنجم.
وسديم الفراشة، أو NGC 6302، أحد أشهر السدم بسبب شكله ثنائي الفصوص الذي يشبه جناحين مفتوحين، وبينهما "جسم" مظلم هو في الحقيقة حلقة كثيفة من الغبار تُعرف بـ"التوروس"، وهذه البنية تمنع الغازات من الانطلاق في جميع الاتجاهات بالتساوي، ما يمنح السديم شكله المميز الذي ألهم الفلكيين لتشبيهه بفراشة سماوية.
في مركز السديم، يوجد نجم محتضر، هو بقايا نواة نجم شبيه بالشمس، لكنه اليوم واحد من أسخن النجوم المركزية المعروفة في مجرتنا، إذ تصل درجة حرارته إلى نحو 220 ألف كلفن، أي نحو 220 ألف درجة مئوية فوق الصفر المطلق.
هذه الحرارة الهائلة هي المحرك الأساسي للضوء الذي نشاهده في السديم، إذ تشع طاقته، فيثير غازات الهيدروجين والهيليوم والنيون والكربون المحيطة، فتتوهج بألوان مختلفة. غير أن قوة النجم ليست عشوائية، بل تُوجه وتعاد صياغتها عبر الحزام الكثيف من الغبار المحيط به، الذي يشكل ما يشبه "مصفاة كونية" تحدد شكل السديم.
أحد أبرز اكتشافات الدراسة الجديدة، يتمثل في طبيعة الغبار الكوني في "سديم الفراشة". فبينما يُعتقد أن معظم الغبار في الفضاء يتخذ شكلاً عشوائياً غير منتظم يشبه السخام، أظهرت بيانات تلسكوب جيمس ويب، وشبكة ألما، أن السديم يحتوي أيضاً على بلورات سليكاتية منتظمة مثل الكوارتز، تشبه الأحجار الكريمة المجهرية.
ويمكن اعتبار الغبار الكوني أشبه بـ"التراب الخفي للكون"، فهو يتكون من جسيمات دقيقة للغاية من الكربون والسليكون والأكسجين والحديد، لا يتجاوز حجمها أجزاء من الميكرومتر، لكنها تملأ الفضاء بين النجوم والمجرات مثل ضباب رقيق لا يُرى بالعين المجردة.
ويتشكل هذا الغبار غالباً من بقايا النجوم المحتضرة والانفجارات العظمى "السوبرنوفا"، التي تطلق في لحظات موتها مواد خام تنتشر في الفضاء.
ورغم بساطته، يلعب الغبار الكوني دوراً جوهرياً في دورة حياة الكون؛ فهو يعمل مثل بذور مجهرية تلتصق بها جزيئات الغاز لتكوّن لاحقاً سحباً كثيفة تولد فيها نجوم جديدة، ومعها كواكب وأقمار.
وحتى الضوء القادم من النجوم البعيدة يتأثر به، إذ يشتته الغبار ويمنحه ألواناً مائلة إلى الأحمر، تماماً كما يحدث عند غروب الشمس على الأرض. ولعل أهم ما يميز الغبار الكوني أنه يحمل في طياته العناصر الأساسية للحياة؛ فالكربون والنيتروجين والمعادن الثقيلة التي يحتويها تشكل اللبنات الأولى للكواكب الصخرية، وربما حتى للمركبات العضوية التي مهّدت الطريق لظهور الحياة.
ويفتح هذا التنوع بين "الغبار الفوضوي" و"الغبار البلوري" في سديم الفراشة نافذة جديدة لفهم كيف تتجمع المواد الأولية لتكوين الكواكب؛ فالكواكب الصخرية مثل الأرض والمريخ وزحل لم تتكون من العدم، بل من تراكم جسيمات غبارية صغيرة التحمت معاً عبر ملايين السنين داخل الأقراص الكوكبية المحيطة بالنجوم.
وتقول المؤلفة المشاركة في الدراسة الدكتورة، ميكاكو ماتسورا، الباحثة الرئيسية من جامعة "كارديف" البريطانية، إنه ولـ"أعوام طويلة، دار جدل بين العلماء حول كيفية تشكل الغبار الكوني في الفضاء، لكن بفضل قوة تليسكوب جيمس ويب، أصبحنا نرى صورة أوضح فهناك مناطق هادئة تنتج بلورات جميلة بطيئة التكون، ومناطق عنيفة تولّد غباراً عشوائياً ساخناً، وكل ذلك داخل جرم سماوي واحد".
من بين أهم ما أُعلن عنه في الدراسة، هو رصد جزيئات الكربون المعروفة باسم المركبات العطرية متعددة الحلقات، والتي تمتاز بتركيب يشبه خلايا النحل، وتعتبر في الكيمياء الأرضية من اللبنات التي ترتبط بظهور الحياة.
ورصد العلماء تلك الجزيئات في بيئة غنية بالأكسجين داخل السديم، وهو أمر لم يحدث من قبل، ويعتقد الباحثون أن هذه الجزيئات تتشكل عندما تدفع رياح نجمية "فقاعات" إلى الخارج، فتندمج مع الغاز المحيط، مولدة هذه البنى الكربونية.
وعلى الأرض، يمكن أن نجد المركبات العطرية متعددة الحلقات في أبسط الأماكن؛ مثل دخان النيران، وعوادم السيارات، وحتى في قطعة خبز محروقة. لكن وجودها في الفضاء، وبالتحديد في سديم فراشة على بعد آلاف السنين الضوئية، يكشف عن عالمية هذه الكيمياء.
ولا يعتبر سديم الفراشة غريباً على عدسات العلماء. فقد صوّره تليسكوب هابل من قبل، لكن الجديد اليوم أن تليسكوب جيمس ويب الفضائي، باستخدام جهازه للأشعة تحت الحمراء المتوسطة قدم أوضح وأعمق رؤية للسديم، بما في ذلك البنية الداخلية للتوروس والغازات المتدفقة.
وبالإضافة إلى تليسكوب جيمس ويب، أضيفت بيانات من ألما، وهي شبكة الهوائيات الراديوية في صحراء أتاكاما، لالتقاط الإشارات عند أطوال موجية مختلفة؛ وقد مكن الدمج بين تلك البيانات، العلماء، من التعرف على نحو 200 خط طيفي مختلف، كل واحد منها يحمل بصمة كيميائية لذرة أو جزيء في السديم.
ولأن ما يحدث في سديم الفراشة ليس مجرد عرض ضوئي بعيد، بل مرآة لماضينا الكوكبي. قبل 4.5 مليار سنة، كانت شمسنا في طور التكوين محاطة بقرص من الغاز والغبار؛ ومن هذا الغبار، المماثل لما نرصده اليوم في السديم؛ تكونت الأرض وبقية الكواكب.
تعرض هذه المجموعة من الصور ثلاث صور لسديم الفراشة تتضمن صورة بصرية وأخرى بالأشعة تحت الحمراء القريبة من تلسكوب هابل (على اليسار والوسط) وأحدث صورة من تلسكوب ويب/ألما
تعرض هذه المجموعة من الصور ثلاث صور لسديم الفراشة تتضمن صورة بصرية وأخرى بالأشعة تحت الحمراء القريبة من تلسكوب هابل (على اليسار والوسط) وأحدث صورة من تلسكوب ويب/ألما.
ويقول العلماء، إن الغبار البلوري والسخام الكوني والمركبات العطرية متعددة الحلقات ليست مجرد مصطلحات، بل هي "المكونات الخام" التي بنت الكواكب الصخرية، وقدمت اللبنات الكيميائية الأولى لظهور الحياة، وبالتالي فإن مراقبة سديم الفراشة اليوم قد تمنحنا مفاتيح لفهم كيف بدأ كل شيء على كوكبنا.
ويرى علماء الفلك أن السدم الكوكبية تمثل مختبرات طبيعية مذهلة في الكون، فهي ليست مجرد مقابر للنجوم المحتضرة، بل مصانع كونية لإعادة تدوير المواد. فعندما تموت النجوم متوسطة الكتلة، تطلق إلى الفضاء عناصر ثقيلة مثل الكربون والنيتروجين والسليكون، التي تعود لتتجمع في سحب بين نجمية جديدة، تشكل بدورها نجوماً وكواكب أخرى. وبهذا يصبح موت نجم واحد بمثابة بذرة ولادة عوالم جديدة.
إضافة تعليق
- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً