أيهما أهم للمغتربين.. التعرف على الثقافة المحلية أم إتقان اللغة؟
2018/05/25
الساعة 06:00 مساءاً
(الميناء نيوز- وكالات)
ربما يبدو أن تعلم اللغة المحلية هدفا بديهيا بالنسبة لأي شخص بصدد الانتقال للعيش في بلد آخر، ولكن في ظل العولمة المتزايدة، هل يستحق الأمر عناء محاولة إتقان لغة أجنبية للاندماج في المجتمع الجديد؟
لقد أصبح عدد متزايد من الشركات متعددة الجنسيات والشركات الناشئة يعتمد الإنجليزية لغة رسمية للتحدث، حتى حينما توجد تلك الشركات في بلدان غير ناطقة بالإنجليزية. وعالميا يبدو أن الجيل الجديد من مواليد الثمانينيات والتسعينيات أكثر استعدادا للتحدث بالإنجليزية كلغة عالمية عن الأجيال التي سبقته، ما يعني سهولة التواصل مع أقرانهم في البلدان الأخرى عنه في الماضي.
ويقدر المعهد البريطاني أن ملياري شخص سيستخدمون الإنجليزية بحلول عام 2020، أي ما يزيد عن ربع سكان المعمورة.
وكما يسعى الكثيرون من أبناء هذا الجيل للعمل في الخارج حتى لو لم يكونوا مولعين بالانتقال الدائم بين وظيفة وأخرى. فقد أظهر مسح "غلوبال شيبرز" السنوي لعام 2017، والممول من قبل المنتدى الاقتصادي الدولي، أن 81 في المئة المشاركين فيه، وهم بين الثامنة عشرة والخامسة والثلاثين ومن أكثر من 180 بلدا، أبدوا استعدادهم للعمل في الخارج.
وكانت "القدرة على العمل والعيش في أي مكان" بين أهم العناصر التي حددوها لقياس مدى الحرية التي يتمتعون بها في مجتمعاتهم.
لكن بالنسبة للراغبين في الانتقال لمكان آخر دون نية مؤكدة للاستقرار طويلا، هل من جدوى في بذل الوقت والجهد في تعلم اللغات إن كان في مقدور الشخص التصرف باللغة الإنجليزية؟
يقول سري كيساناكورتي خبير تكنولوجيا المعلومات الهندي الذي سبق وعمل في دبي وسنغافورة وستوكهولم وهو الآن في بروكسل، إن تعلم اللغة لا يعود بالضرورة بالفائدة المباشرة، فهو لا يجد مشكلة في التعامل بالإنجليزية سواء مهنيا أو اجتماعيا.
وينصح كيساناكورتي، البالغ من العمر 31 عاما، من بصدد الانتقال لبلد لأقل من عامين بالتركيز على إتقان عمله والتواصل مع من هم بظروف مشابهة عبر منتديات المغتربين ومزاولة الرياضات المحلية والأنشطة الثقافية، ويقول إن هناك "الكثير من التجمعات التي ستشعر بينها بعدم الغربة".
الثقافة أم اللغة؟
ويوافق ديفيد ليفرمور مؤلف كتاب "الذكاء الثقافي: السر الجديد للنجاح" على هذا الرأي، مؤكدا إمكانية التواصل بسهولة في العديد من بقاع العالم دون التحدث باللغة المحلية.
ويقول: "لا أعتقد أنه يلزم اتقان لغة البلد اتقانا كاملا إن كانت المدة التي سيمضيها الشخص خمس سنوات أو أقل، بل تعلم أنماط مختلفة للتواصل ومعرفة الأعراف الاجتماعية قد تكون بنفس الأهمية إن لم تكن أكثر".
واعتمد البحث الذي أجراه ليفرمور على خبرة عشر سنوات في 30 بلدا لتوصيف "الذكاء الثقافي" باعتباره يضم أربع قدرات هي: الرغبة في العمل في ظل بيئات مختلفة ثقافيا، ومعرفة أوجه التشابه والاختلاف ثقافيا، وتكوين استراتيجية متابعة وتحليل وتعديل السلوك بمواقف ثقافية مغايرة، والقدرة على التصرف باستخدام التعبيرات المناسبة للسياق، سواء بالكلام أو بغير ذلك.
ومع أنه يعتبر اللغة "ذات أهمية ما"، فقد أكد على أن "القدرة على التأقلم وتعديل السلوك ومواصلة التصرف على نحو سليم تعد الأهم بين القدرات الأربع للذكاء الثقافي المطلوبة لنجاح المغتربين في بيئتهم الجديدة. كما تعتبر مؤشرا على المرونة الوجدانية والإدراكية المطلوبة للحياة في الغربة".
وثمة أماكن تفرض صعوبة في التأقلم أكثر من غيرها لاختلاف المعايير الاجتماعية والثقافية اختلافا كبيرا عن البلد الأم للمغترب، وعدم شيوع الإنجليزية بين السكان.
ويشير يرو فارا، أستاذ التنظيم والإدارة بكلية إدارة الأعمال بجامعة آلتو الفنلندية، إلى الاختلافات الضخمة بين بلد وآخر على مستوى العالم، فالوافدين للعمل في اليابان قد يتعرضون لصدمة حضارية قوية بسبب رسوخ الأعراف السلوكية المتعلقة بالعمل وبالتعاملات غير الرسمية، كالانحناء احتراما وتجنب الحرج وعدم المواجهة والأدب الجم والالتزام المفرط بالمواعيد، واحترام الصمت، فضلا عن ساعات العمل الطويلة.
ويضيف: "الافتقار للحساسية الثقافية قد يجعلك تتعجل بعرض المساعدة والمبادرة بمقترحات، ما قد لا يلقى قبولا"، موضحا أن فهم تلك الثقافة "سيتطلب جهدا". ورغم ذلك، لا ينسى فارا أن يذكر بأن الصور النمطية لا تنسحب بالضرورة على كافة أبناء المجتمع المختلف.
التأقلم بتعلم الطهي
"ريو مياموتو" رجل يبلغ 53 عاما، ويعيش في تاكارازوكا خارج أوساكا باليابان، ورغم أنه أمريكي الأصل فقد اتخذ لنفسه اسما يابانيا تقليديا بعد وقت قليل من انتقاله للعيش في اليابان. يقول مياموتو إنه رأى كيف عانى رفاقه المغتربون للتأقلم مع الأعراف الثقافية في اليابان، إذ كانوا دائمي التردد على بلدانهم الأصلية في الإجازات بانتظار عودتهم النهائية.
ويصف مياموتو نفسه بأنه أصبح متقنا للثقافة اليابانية وبأنه "اصطبغ بالصبغة اليابانية تماما" في غضون ثلاثة أعوام من وصوله، لدرجة أنه "كاد أن ينسى أنه ليس يابانيا لولا تذكير الناس له يوميا بأنه ليس كذلك".
ويضيف: "مازال اليابانيون ينظرون للأجانب باعتبارهم أغراب. لكن القريبين مني لا يرونني غريبا. أظن أنني حالة فريدة".
ورغم معرفته المسبقة ببعض اللغة اليابانية قبل وصوله، وقد بات الآن متقنا لها، إلا أنه يؤكد أن تعلم الأعراف الثقافية، والإكثار من مشاهدة التلفزيون الياباني بل وتعلم طهي الأطعمة اليابانية كان بنفس القدر من الأهمية لتأقلمه في هذا البلد.
وبالنسبة للعمل يقول مياموتو إن التسمي باسم ياباني سهل عليه العلاقات ما أفاده في تأسيس هيئته التعليمية الخاصة.
ويتابع: "حينما كنت أتصل بشخص وأعرف نفسي باسمي الأمريكي كان الشخص يتوقف عند الاسم ويطلب مني تكراره حتى يتمكن من نطقه صحيحا، وآخرون كانوا يسارعون بإنهاء المكالمة. ولكن بعد استخدام اسمي الياباني سارت الأمور على نحو أفضل".
صدمة حضارية غير متوقعة
ومما لا يتوقعه المرء أن يجد صعوبات في بلدان تبدو ظاهريا قريبة الشبه ببلده الأصلي، فهولندا وبلدان الشمال مثلا معروفة بأن أهلها يتقنون الإنجليزية، وفقا لـ "مؤشر إجادة اللغة الإنجليزية"، وليست معروفة باختلافها الكبير ثقافيا عن البلدان الناطقة بالإنجليزية (كما يُعرف عنها الكفاءة والابتكار)، وبالتالي يظن المغتربون المتحدثون بالإنجليزية (خاصة من الغربيين) أن تحدث اللغات الأم لتلك البلدان لن يضيف لهم شيئا ولا يتوقعون مفاجآت.
لكن كارولين ويرنر، مديرة مؤسسة "من أجل الاستقرار في ستوكهولم"، وهي شركة ناشئة تدرِّس الثقافة واللُغة للشباب من أصحاب المهارات الوافدين للعاصمة السويدية، تقول إن كثيرين "يخطئون فهم الأعراف الثقافية".
وبين ذلك الموضوعات التي لا يجب التطرق إليها خلال راحة العمل أو في حفلات العشاء (من غير المقبول التطرق إلى الدين أو السياسة أو السؤال عن قيمة الراتب)، كذلك كيفية التعرف على أصدقاء أو التعرف بقصد المواعدة في بلد لا يحبذ الحديث لمجرد تمضية الوقت، وحيث أكثر من نصف السكان يعيشون بمفردهم.
وتحبذ ويرنر تعلم المغتربين ولو القليل من اللغة المحلية حتى ولو لم يحتاجوها بعد عودتهم أو في بلد آخر، إذ تعتقد أن تعلم اللغة "سيمثل فرصة وليس مضيعة للوقت ويتيح التعرف على الناس بصورة مختلفة مقارنة بعدم تعلم لغتهم الأصلية".
وتضيف: "الكثير من السويديين يجيدون الحديث بالإنجليزية في المحافل الرسمية، ولكن إن أرادوا أن يكونوا على طبيعتهم فإنهم سيتحدثون بلغتهم الأم".
ويدعم البحث الذي أجراه يرو فارا في استخدام اللغة في الشركات الدولية الفائدة التي تعود على المغتربين من تعلم المهارات الأساسية للغة المحلية، حتى من يعيش منهم في بلدان يجيد أهلها الإنجليزية، إذ يساعد ذلك الراغبين في الاستقرار في بلد أو شركة أجنبية على فهم أنماط التعامل الدقيقة.
ويقول فارا: "هناك دوائر داخلية وقطاعات بمؤسسات، وتعاملات وأحاديث غير رسمية، لن يمكن الوصول إليها" بغير المهارات اللغوية المحلية التي تعزز التواصل مع تلك الدوائر مهنيا وشخصيا.
فعلى سبيل المثال، البريطاني الراغب في الوصول إلى قمة "هيئة روسية تأسست منذ مئات السنين، سيجد في تعلم الروسية نفعا على المدى الطويل"، بخلاف البريطاني الذي يعمل في قطاع بريطاني في روسيا، والذي يقول فارا إن اتقان الروسية سيكون أقل أهمية بالنسبة له.
القبول أم الذوبان؟
ومازال الكثيرون من المغتربين والمقيمين في الخارج لا يعرفون إلى أي حد يجب عليهم التداخل في المجتمع الجديد ثقافيا.
مؤخرا، قررت سيما محجوب، وهي فرنسية في الثلاثين من عمرها عاشت في تسعة بلدان من بينها بريطانيا وأستراليا وإسبانيا، الاستقرار في السويد حتى إشعار آخر، إذ يروق لها نمط الحياة في شوارع هذا البلد ومتنزهاته الطبيعية.
وقد أجادت سيما اللغة وعملت جاهدة على فهم الأعراف المهنية المحلية، وتقول إنه في فرنسا "يمكن الاتفاق على صفقة في لقاء واحد، وهو الأمر غير الممكن في السويد". ومع ذلك، لا تتخيل أن تنظر يوما لنفسها كسويدية أو أن تتقن الأنماط الثقافية السويدية إتقانا تاما.
وتتابع: "في بلدان جنوب أوروبا عموما نميل للتعبير الجياش عن أنفسنا سواء سلبا أو إيجابا"، وهي لا ترغب في أن تفقد "تلك الفطرة" التي تختلف عما درج عليه الناس في البلدان الإسكندنافية، رغم أنها "رأت البعض يدرج على ما درجوا عليه. أما أنا فمباشِرة تماما في تصرفاتي وتأثرت بثقافات عدة ولست أرغب في تركها جميعا" للتلون بثقافة واحدة.
ويقول خبير تكنولوجيا المعلومات سري كيساناكورتي إنه بدأ تعلم الفرنسية رغبة منه في الاستقرار أكثر بين بلجيكا وهولندا، ولوكسمبورغ، عنه في أماكن عاش فيها من قبل. ومع ذلك لا يفزع لفكرة عدم تمكنه من اتقان اللغة، والثقافة المحلية كأهلها.
ويقول إن تعلم اللغة المحلية مفيد في "مواقف مثل شراء عقار والتعامل في الدوائر الرسمية والضرائب والمحاسبات، وغيرها. لكنني لست قلقا إذا لم أتمكن من الاندماج الكامل طالما كنت في محيط من الأشخاص القريبين مني. لقد ولدت في بلد آخر، ومهما فعلت فسينظر إلى دائما بشكل مختلف".
ويؤكد البروفيسور يرو فارا إن هذا القبول هو مفتاح نجاح المغتربين في الخارج، سواء طال بهم المقام هناك أم قصر.
ويضيف أن "الاختلاف ليس عيبا، وعلى المرء أن يسعى لتقديره والتعامل معه بشكل سليم بدلا من السعي المضني لأن يكون المرء بخلاف ما هو عليه، وبخلاف ما يراه الناس".
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على صفحة BBC Capital.
إضافة تعليق
- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً