الرئيسية - منوعات - أغرب الشحنات البحرية التي تتسبب في غرق السفن
أغرب الشحنات البحرية التي تتسبب في غرق السفن
الساعة 05:51 مساءاً (الميناء نيوز- وكالات)
عندما يُحدثك أحد عن شحنة خطرة تحملها سفينةٌ، ربما يتبادر إلى ذهنك مشهد متفجرات أو نفايات سامة. لكنك قد تُدهش إذا علمت أن الشحنات التي تحتوي بعض المواد الخام المسحوقة أو الرمال المعدنية قد تصبح مسؤولةٌ عن غرق عدد كبيرٍ من السفن في كل عام. فعلى مدار العقد الماضي، بلغ متوسط ما فُقِدَ سنوياً في عرض البحر من سفن شحنٍ تحتوي على شحنات مثل هذه، 10 سفن. موارد المياه العذبة تنضب في مدينة تغمرها الفيضانات القاهرة ولندن من بين أكثر المدن معاناة من شح المياه فهذه الشحنات - التي تُعرف باسم الشحنات السائبة صلبة القوام التي تُحمَّل مباشرةً إلى مخزن البضائع الموجود على السفينة دون تعبئتها في المعتاد - قد تتحول فجأة من الحالة الصلبة إلى السائلة، في عمليةٍ يُطلق عليها اسم "الانحلال" أو "التميع"، وهو ما قد يصبح كارثياً بالنسبة لأي سفينةٍ تحمل هذه البضائع على متنها، وبالنسبة لأفراد طاقمها أيضاً. ومن بين أبرز الحوادث التي وقعت لهذا السبب، ما شهده عام 2015 لسفينة شحنٍ ضخمة كانت تحمل اسم "بالك جوبيتر" وتزن 56 ألف طن، غرقت بشكل سريعٍ على بعد يُقارب 300 كيلومتر (187 ميلاً) إلى الجنوب الغربي من فيتنام. ولم ينج سوى شخص واحد من أفراد طاقمها البالغ عددهم 19 شخصاً. ودفع ذلك الحادث المنظمة البحرية الدولية إلى التحذير من إمكانية أن تكون السفينة المنكوبة قد غرقت بفعل حدوث حالة انحلال أو تميع لشحنة من البوكسيت (خامٌ يتكون منه الجانب الأكبر من معدن الألومنيوم)، وهي مادةٌ صلبةٌ كان شحنها على متن السفن بوصفها بضائع سائبةً أمراً جديداً نسبياً في ذلك الوقت. على أي حال، نعرف الكثير من المعلومات بشأن القواعد الفيزيائية الخاصة بـ"تميع" المواد الحُبيبية، وذلك بفضل ما يُعرف بهندسة "الجيوتقنية"، وهندسة الزلازل. فالاهتزاز القوي والعنيف للأرض يزيد مستوى الضغط الموجود في المياه الجوفية إلى معدلٍ يجعل التربة "تتميع" أو "تنحل". لكن فهمنا لهذه الظاهرة ووضع قواعد إرشادية للحيلولة دون حدوثها، لم يمنع حتى الآن من استمرارها، وتسببها في غرق السفن بمن عليها من أفراد طاقم. قد يؤدي حدوث عملية تميع وانحلال لإحدى الشحنات السائبة إلى تغير موضعها داخل المخزن، مما يجعل السفينة أقل استقراراً وعادةً ما تكون الشحنات من هذا النوع عبارة عن "مواد ثنائية الطور"، في ضوء أنها تحتوي على مياه بين جسيماتها الصلبة. وعندما تسنح الفرصة لهذه الجسيمات كي تتلامس يؤدي الاحتكاك الناشئ بينها، إلى جعلها تتحرك كما لو كانت مادة صلبة مُصمتة برغم وجود سائلٍ في جنباتها. لكن تزايد الضغط الكامن في المياه، يقلل من فاعلية وقوة القوى الناشئة بين الجسيمات، ويقلص من مقاومة وصلابة الجسيمات نفسها. وعندما تنعدم قوة الاحتكاك بين تلك الجسيمات، تتحرك الشحنة كلها وكأنها سائلٌ، بالرغم من أن جسيماتها الصلبة لا تزال موجودةً فيها. وهكذا فبالرغم من أن شحنةً كهذه قد تبدو مستقرة وثابتة ظاهرياً على رصيف الميناء، فإنها ربما "تنحل وتتحول إلى الحالة السائلة" بفعل تراكم الضغوط في المياه الموجودة بين جسيماتها، خلال عملية تحميلها على متن السفينة. وتزيد احتمالات حدوث ذلك - على وجه الخصوص - إذا ما لجأ عمال الشحن إلى تلك الطريقة الشائعة في تحميل الشحنات، والتي يستخدمون فيها حزاماً ناقلاً لرفعها من على رصيف الميناء ووضعها في مخزن البضائع، وهو ما قد يشتمل على إنزال الشحنة من ارتفاعٍ عالٍ بشكل كبيرٍ إلى آخر منخفض. فضلاً عن ذلك، يمكن أن يؤدي اهتزاز السفينة وحركتها بفعل تشغيل محركها، وكذلك حركة أمواج البحر واهتزازها خلال الرحلة، إلى زيادة ضغط المياه، مما يقود إلى أن "تذوب الشحنة أو تتميع". المشكلة أن حدوث ذلك قد يفضي إلى أن يتغير موقع الشحنة السائبة بداخل مخزن البضائع أو أن "تنسكب" محتوياتها فيه، وهو ما يجعل السفينة أقل استقراراً. فموقع الشحنة في هذه الحالة يمكن أن يتبدل تماماً لتقبع بشكل كامل في أحد جوانب المخزن. وحتى إذا استعادت الشحنة تماسكها وعادت إلى حالتها الصلبة، فستبقى في وضعها ومكانها الجديد، وهو ما يجعل السفينة تميل على أحد جانبيها في الماء. أكثر من ذلك، قد تعود الشحنة إلى الحالة السائلة ليتغير مكانها مرة أخرى، ما يزيد من زاوية ميل السفينة. وفي لحظةٍ ما، تصبح هذه الزاوية حادةً للغاية بقدرٍ يجعل مياه البحر أو المحيط تدخل هيكل السفينة من خلال أغطية الكُوَّات الموجودة فيه، أو يصل عدم استقرار السفينة إلى حدٍ يجعلها غير قادرة على استعادة استقرارها ووضعها الصحيح، في ظل الحركة المتموجة بشدة التي تُسببها الأمواج. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تنتقل المياه من بين الجسيمات المُؤلفة للشحنة إلى سطحها نتيجةً لحدوث عملية "التميع". كما أن ما يعقب ذلك من انسكاب لهذا الماء المتحرر من أي قيود قد يزيد من خلخلة استقرار السفينة، ما يجعلها عرضةً لخطر الغرق، ما لم يتم إيقاف عملية التدفق والانسكاب هذه. ورغم أن المنظمة البحرية الدولية وضعت قواعد تحدد بموجبها مستوى الرطوبة المسموح به في أي شحنة صلبة القوام بهدف الحيلولة دون تحولها إلى "الحالة السائلة"، فلم يؤد هذا إلى وقف حدوث تلك الظاهرة. والسؤال المطروح هو لماذا يحدث ذلك؟ تتسم القواعد المعمول بها حالياً على صعيد رص الشحنات السائبة على الأرصفة وتحميلها على متن السفن بأنها مفرطةٌ في التبسيط بقدرٍ لا يجعلها تحول دون وقوع الكوارث التي تتسبب فيها ظاهرة "تميع" الشحنات تتمثل الإجابة التقنية على هذا السؤال في أن التوجيهات والقواعد المعمول بها حالياً على صعيد رص ذاك النوع من الشحنات على أرصفة الموانئ وتحميله وشحنه على متن السفن، مفرطةٌ في التبسيط. فاحتمالات حدوث "تميع" للشحنة لا تعتمد فقط على مستوى الرطوبة فيها، لكن كذلك على الخصائص الأخرى للمواد المؤلفة لها، مثل ما يُعرف بـ"توزيع حجم الجسيمات"، ونسبة حجم الجسيمات الصلبة إلى نسبة المياه فيها، والكثافة النسبية للشحنة برمتها، وكذلك طريقة التحميل، وطبيعة حركة السفينة خلال الرحلة. من جهة أخرى، فإن إنتاج مواد جديدة مثل البوكسيت ونقلها، وأيضاً زيادة عمليات معالجة المواد الخام التقليدية قبل النقل، يعنيان أننا ننقل بحراً مزيداً من المواد التي لا نفهم تماماً طبيعة "سلوكها"، وهو ما يزيد من مخاطر حدوث عملية "تميع للشحنات". فضلاً عن ذلك، تلعب الاعتبارات التجارية دوراً في هذا الصدد هي الأخرى. فمثلاً، تؤدي الضغوط على العمال لشحن السفن في أسرع وقتٍ ممكن إلى اتباع طرق تحميلٍ تنطوي على أساليب أكثر عنفاً، مع أن ذلك يزيد من مستوى الضغط في المياه الموجودة بين جسيمات الشحنات. كما أن الضغوط التي يتعرض لها أفراد الطاقم لتسليم الشحنات بالأوزان نفسها التي حُمِّلَت بها، ربما تثنيهم عن تجفيفها من المياه الموجودة فيها خلال الرحلة. ولمواجهة تلك المشكلات، يحتاج القائمون على صناعة الشحن إلى بلورة فهمٍ أفضل لـ"السلوك المادي" للشحنات السائبة المنقولة بحراً، واقتراح الاختبارات المناسبة التي يتعين إخضاعها لها للحيلولة دون تحولها إلى "حالةٍ سائلةٍ". وقد يكون من المفيد الاستعانة بتقنيات حديثة في هذا المضمار، من قبيل وضع أجهزة استشعارٍ في مخزن بضائع السفينة لمراقبة مستوى ضغط المياه داخل الشحنة. كما يمكن مراقبة سطح الشحنات نفسها باستخدام أشعة الليزر، على سبيل المثال، وذلك للتعرف على أي تغييرات قد تطرأ على وضعها وموقعها. ويتمثل التحدي الذي يواجهنا هنا في ابتكار تقنية يمكن تركيبها بسرعة، وتتسم بأنها قليلة التكاليف وقوية بشكلٍ كافٍ لتمكينها من البقاء قيد التشغيل خلال عمليتيْ تحميل البضائع وتفريغها دون التأثر بأيٍ مما قد يحدث أثنائهما. وهكذا فإذا نجحنا في التغلب على هذه التحديات، فسيتسنى لنا بلورة منظومة إنذارٍ تعمل بشكلٍ فوريٍ حينما تكون إحدى الشحنات على شفا "التميع" أو التحول إلى "حالةٍ سائلةٍ"، وذلك من خلال الجمع ما بين البيانات الخاصة بمستوى ضغط المياه بداخل الشحنة وحركتها، جنباً إلى جنب مع المعلومات المتعلقة بحالة الطقس وحركة السفينة. وفي هذه الحالة، ستُتاح الفرصة لطاقم السفينة للتحرك للحيلولة دون ارتفاع ضغط المياه إلى معدلاتٍ أكبر من اللازم، وذلك عبر تجفيف المياه داخل مخزن البضائع مثلاً بهدف تقليل الضغط، أو تغيير مسار السفينة لتجنب المرور بمنطقةٍ تسودها أحوالٌ جويةٌ شديدة السوء، من أجل تقليص معدل اهتزاز السفينة هذه المرة. وإذا كانت هذه الخيارات غير ممكنة، فبمقدور الطاقم إخلاء السفينة، وهو ما يعني أنه سيتسنى لنا التغلب على ظاهرة تحول الشحنات السائبة صلبة القوام إلى حالة سائلة، وتقليل عدد السفن والبحارة الذين يُفقد أثرهم في عرض البحر لهذا السبب. يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص