الرئيسية - تقافة وفن - رسالة إلى أمي محمد ناصر السعيدي
رسالة إلى أمي محمد ناصر السعيدي
الساعة 01:13 صباحاً (الميناء نيوز- خاص)
رسالة إلى أمي ▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂ أمي العزيزة سلامٌ عليكِ في كلِّ حين سلامٌ على روحكِ الطاهرة و روحِ أبي الإنسان العظيم سلامٌ عليكِ و أنتِ تودعيننا بصمتٍ دون سابقِ ألمٍ أو شكوى أمي العزيزة ِ لا أتذكرُ في أيّ شهرٍ من أشهرِ الحملِ التسعة بالتحديدِ عندما سافرتُ معكِ برفقة ِ أبي ؛ و أنا محمول في أحشائكِ و أنت و أبي تمشيانِ على الأقدام ِتجوبان الفيافي و تتسلقانِ جبالَ القفرِ الشامخةَ إلى حيث ( السيّد) الذي سيبشركما بحياتي بعد وفاة أشقائي الذكور .. يقرأ عليكِ الآيات ِ و يوصيكِ بتعليق الحروز والتمائم على رقبتي بعد الولادة. لا أنسى تعبكِ و ظمأ أبي ذلك اليوم و أنتما تعودان إلى البيت مكللين بالأمل ، و كلكما إيمانٌ بأنني سأعيش . ليتكِ معي الآن لأدفن رأسي في صدرك و أجهشُ بالبكاء. أفتقدكِ كثيراً يا أمي ؛ أفتقد رائحتك المضمخة بالريحان و الشذاب... أفتقدُ صوتكِ الشجيّ و أنت ِ تطحنينَ حبوبَ الذرةِ على موسيقى الرحى ذاتَ مجدٍ قديم ... أفتقدُ وقعَ خطواتكِ اليومية بعد صلاة الفجرِ و أنت تصعدين إلى زاوية ( السقيف) لهزّ اللبنِ و تحضير قهوة الصباحِ على نارِ الموقد الترابي الذي صنعتهُ يداكِ يوماً ما . أفتقدُ كلَّ شيء فيكِ ؛ و يظلُّ الشموخُ و الاعتدادُ بالنفسِ ، و الأناة و الحكمة و الهدوءُ المبالغُ فيه ، و الطيبةُ المفرطة.. و غيرها من أسمى القيم و الفضائل التي ورثتها عنكِ و قطفت أزاهيرها الزكية في سفري الطويل . لم أكن أعلم و رأسك بين ذراعي أضمه إلى صدري أنكِ قد فارقتِ الحياة و أنَّ صوتكِ الحاني قبل طلوع شمس ذلك اليوم سيكون آخر عهدي بك ، و أنت تودعينني بكلماتك الدافئة ( الله يسايرك يا ولدي .. الله يحاجي عليك ). ( اتحمدوا الله و اتشكروه ) كلمات انهالت عليّ كالصاعقة من فم الطبيبة الطيبة في المركز الصحي في القرية ؛ لأنهال على قدميكِ الشريفتين أقبلهما و أغسلهما بدموع حزني و أساي. ليتني قبّلتُ قدميكِ في حياتكِ.. ربما كنت أحسن حالاً ، و أسعد حظا . أتدرين يا أمي ؟ لقد طحنت الحربُ ما كنا جمعناه في ( مخزانك ) من حبوبٍ و أمنيات ، و كادت الكوليرا المسعورة أن تفتكُ بأخي ، و تجبره على ارتياد جناح الغسيل الكلوي ذات حزن و معاناة. ما تزالُ بركاتُكِ يا أمي تهمي علينا كمطرِ آب ، و نحن نشهدُ المأساة ، و نشيّعُ كلَّ يومٍ المزيدَ من الأحلامِ و الأبرياء ، و نستكثرُ في كلِّ ساعةٍ من الديونِ و الخيبات. نسيتُ بأن أخبرَكِ يا أمي أن حفيداً جديداً سيهلُّ علينا في الأيام القادمة ، و لا شكَّ أننا سنحدثهُ عنكِ حينما يكبر ، و تتحسس أنامله محياك بتقاسيمه الأرستقراطية و ملامحه الريفية في ألبوم الذكريات . لتنم روحكِ بسلام يا أمي و كوني مطمئنة كل الطمأنينة أن ثمارك الطيبة ستؤتي أكلها في كل حين ، فها نحن على أبواب ( نيسان ) نعد العدة لموسمٍ زراعيٍ جديد حيث ( الرعوية مبتولة ) و ( الذري ) جاهز للبذار. ▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂ محمد ناصر السعيدي 20 مارس 2018 م
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص