الرئيسية - تحقيقات - استطلاع مصور من سقطرى يكشف انعدام الحيوانات المفترسة فيها والثعابين ويزيح الغبار عن لآلئ فريدة
استطلاع مصور من سقطرى يكشف انعدام الحيوانات المفترسة فيها والثعابين ويزيح الغبار عن لآلئ فريدة
2018/05/11
الساعة 10:43 مساءاً
(الميناء نيوز- خاص-فايز البخاري)
منطقة حالة شرق سقطرى.. حالاتٌ مِن الجمالِ والإبهارِ الذي لا ينقطع
******************************************
في اليوم الثاني من زيارتي لجزيرة سقطرى استيقظتُ مبكراً، وما إنْ خرجتُ الساعة السادسة صباحاً إلى المطعم إلّا وهو يعج بالنزلاء الذين أقتسم معهم الفندق، والذين هم أكثرية ساحقة من السياح الأجانب، وكل فردٍ منهم قد حملَ حقيبتَهُ على ظهره ويتناول وجبة إفطاره بما يشبه الاستعجال، ويحق لهم أنْ يستعجلوا في تناول وجبة الإفطار؛ لأنّ ما ينتظرهم في أعماق هذه الجزيرة الساحرة يغني عن الأكل والشربِ معاً.
تناولتُ وجبة الإفطار مثلهم على عجل دون أنْ أدري إلى أين أقصد فيما هم كانوا يسيرون وفق جدول زمني وخارطة زيارات ميدانية معدة سلفاً من قبل بعض وكالات السياحة التي تعمل على استقبالهم وتنظيم رحلاتهم في أرجاء الجزيرة، حيث يمكثون غالباً في البراري والجبال وبطون الأودية وعلى الشواطئ الرملية أكثر مما يمكثون في مدينة حديبو أو فنادقها.
انطلقَ السياح أفواجاً أفواجا بسياراتهم اللاند كروزر التي تكفل إيصالهم إلى أعتى وأصعب المناطق الوعرة في الجزيرة، فيما بقيتُ أنا وحيداً حائراً لا أدري إلى أين أتجه ولا إلى أين أذهب!! سألتُ موظف الاستقبال في الفندق عن كيفية زيارة الجزيرة وأهم المناطق السياحية فيها فتفضل مشكوراً بالاتصال بأحد أصدقائه الذي يملك سيارة فيتارا، فجاء على الفور واتفقتُ معه على أنْ يكون معي طوال اليوم نتنقل في أرجاء الجزيرة وكان ذلك بمبلغ عشرة ألف ريال، فيما اللاند كروزر تصل إلى خمسة عشر ألف ريال، لكنها تستطيع الوصول إلى كل المناطق.
------------((ميناء حولاف))----------------
* خرجنا من مدينة حديبو متجهين في بادئ الأمر نحو ميناء حولاف الذي يعتبر الرئة الوحيدة التي تمد الجزيرة بمختلف البضائع. كانت كل المحلات قد فتحت؛ فآخر محل يفتح الساعة السابعة صباحاً، فحديبو مثل عموم الجزيرة تنام مبكراً وتصحو مبكراً.. في الطريق إلى ميناء حولاف يستوقفك منظر العيون التي تتدفق بغزارة من أحضان الجبال شاقةً في طريقها إلى البحر مدينة حديبو التي تبدو بفضل تلك العيون وكأنها مدينة نهرية. وهذه العيون يبلغ عرضها واتساع عرضها في أحايين كثيرة حوالي عشرين إلى ثلاثين متراً، ما يجعلها تبدو قريبة إلى الأنهار منها إلى العيون.. وللأسف لا تُستغل في الزراعة إلّا بعض أشجار النخيل المنتشرة على جنباتها.
في ميناء حولاف أول ما يشد الانتباه الرمال العظمى التي يحتضنها الجبل المُطِل على الميناء ولا يُعرف كيف تكونت رغم أنّ كل ما يحيط بها صخري حتى الشاطئ.. إلى جانب أنّك تقف مذهولاً من بقاء هذا الميناء الوحيد للجزيرة بهذا الشكل الذي لا يليق بمنطقة هامشية فما بالنا بمحافظة وجزيرة هي على قائمة المناطق الطبيعية الأكثر فرادة في العالم!! إنه ميناء بسيط يفتقر للكثير من المقومات، وهناك شكاوى عديدة تلقيناها من المواطنين من أنّ هناك أيادي تتعمد إهمال الميناء من أجل خصخصته والاستحواذ عليه، بدليل التدمير المتعمَّد لمحتوياته والذي كان آخر حلقات مسلسله سقوط إحدى رافعات الحاويات في البحر في ظروف غامضة (الكرينات)، في الوقت الذي لا يمتلك الميناء سوى رافعتين!! وفي ظل وجود تاجر ينافس بقوة على تقبل الميناء وإدارته، خاصة بعد إنشائه لصوامع غلال وخزانات وقود عملاقة، وهو في انتظار الاستيلاء على ما تبقى من الميناء.
طفنا في الميناء والتقطنا له بعض الصور وسمعنا العديد من الشكاوى من عمال الميناء والمواطنين والتجار الذين يرتادونه ثم واصلنا المسير باتجاه رأس (إرسِلْ)، حيث قابلتنا في الطريق العديد من المحميات الطبيعية والأودية التي في حال تم استغلالها ستكون الجزيرة هي المزار الأول على مستوى الشرق الأوسط والوطن العربي ككل.. إنها دُرَر طبيعية وكنوز لا تزال في أيدي فحَّام لا يعرف قيمتها ولا يقدِّر ثمنها!!
-----------(( مياهٌ مُهدَرَة ))----------------
* ديليشة؛ ذي حمري؛ روش، بحيرة القرية، رمال منطقة حالة.. هذه كلها من غرائب الدنيا التي تواجهك في الطريق إلى رأس (إرسِلْ) الذي يعتبر النقطة الأخيرة في شرق الجزيرة، وفي المنطقة التي تُسمى (قرية) يرى المرءُ بُحيرةً كبيرة كونتها عيون المياه العذبة التي تأتي من الجبال وتصب في البحر بمواجهة محمية (ذي حمري) وهذه البحيرة العجيبة تتشكل بين تلالٍ بديعة والخط الإسفلتي يشقها نصفين ويجعل منها مزاراً سياحياً فريداً، فقط لو يتم بناء بعض الشاليهات والخدمات الفندقية على ضفاف البحيرة ليستقر فيها الزائر ويمكث يهنى بتلك المناظر البديعة لأكبر وقت ممكن، وفي الوقت نفسه يمكنه اقتناء بعض المشغولات اليدوية والأشجار النادرة التي تجود بها المنطقة.. فقط مَن يسمع؟؟!!
تركنا بحيرة قرية واتجهنا نحو محمية روش البديعة التي يقع إلى القرب منها الكهف الأعجوبة الذي يفوق بجمال محتواه مغارة (جعيتا) في جبل لبنان التي تكم الترويج لها عالمياً فيما هي لا تساوي ربع ما يحويه كهف(حوق) بمنطقة حالة في جزيرة الأحلام/سقطرى.
هذه الكهف الذي تجشمتُ له عناء رحلة دامتْ لحوالي ست ساعات صعوداً وهبوطاً، ومثل نصفها في داخله وأرجائه، وقد خصصتُ لزيارته يوماً كاملاً، وسيكون لي حديث مطول عن محتوياته في استطلاع مستقِل، فهو يستحق إفراد موضوع له نظراً لفرادته وقلة الكتابات التي سلطتْ الأضواء عليه، مع أنه لو كان لدى دولة أخرى لأصبح من أهم المزارات العالمية وعجائب الدنيا الطبيعية.
-------- (( تضاريس نادرة )) -----------
* في منطقة حالة التي تقع إلى الشرق من مدينة حديبو وشرق الجزيرة تتكون الشواطئ من نتوءات صخرية بديعة وسهوب خضراء فاتنة، ناهيك عن الجبال التي تحتضنها بكهوفها المتعددة وأشكالها الكلسية الفاتنة التي تتنوع بين الأسود والبني والأحمر والأبيض الفاقع، الذي يتوج بعض المناطق بشكل يبدو معه من بعيد وكأنه طلاء أبيض تم رشه على تلك الجبال.. لكن الأكثر سحراً والأندر فرادةً هي الجبال العظيمة من الرمل الأبيض الذي يشبه اللبن أو الحليب، والتي تحتضنها تلك الجبال الكبيرة ذات الكهوف والتجاويف المتعددة، وتطل على الساحل مباشرةً.. وأوّل ما يلفت الانتباه هو من أين تكونت تلك الرمال في أحضان الجبال مع أنّ المنطقة ليستْ صحراواية ولا تبعد عن الشاطئ سوى عشرات الأمتار، والشاطئ نفسه ليس رملياً.
أضف إلى ذلك تتمثل الأعجوبة الكبرى في أنّ تلك الرمال البيضاء التي تقع في حضن الجبل وتطل على الساحل الصخري ينبع من قلبها عيون مياه عذبة تشقها في طريق جريانها وتشكل على ضفتيها قبل الوصول إلى البحر واحة خضراء تمتزج مع الصحراء والجبل والبحر بشكلٍ لا يمكن أنْ يكون في أية بقعة في العالم إلّا في جزيرة سقطرى.. إنها فعلاً جزيرة الأحلام!
هناك قررنا المُضي نحو راس إرسِلْ لنودع مُنتهى الجزيرة ونعود قافلين نحو مدينة حديبو وفي القلب تتصارع عدد من الأشجان التي تتوزع بين رغبةٍ في البقاء في هذا المكان وحسرةٍ على تغييبه من قبل الحكومة وعدم الالتفات إليه من قبل الجهات المعنية بالسياحة، فهو بحق أعجوبة تستحق اهتمام مختلف هيئات الدولة بلا استثناء.
------------(( غنمٌ بلا راعِ ))-------------
* وصلنا حديبو الساعة الثالثة عصراً وكانت كل المطاعم قد أقفلت ولم يعد هناك ثمة غداء، فحديبو تنهض مبكراً وتنجز كل أعمالها مبكراً بما في ذلك تناول وجبة الغداء التي تبدأ 11ونصف وتنتهي غالباً 12ونصف، ويندر أنْ يجد المرءُ غداءً بعد الساعة الواحدة ظهراً.. وبالمثل العشاء يندر وجوده بعد السابعة والنصف أو الثامنة بالزيادة، والإفطار بعد السابعة.. ألم أقل لكم إنها جزيرة العجائب؟؟!!
بحثنا عن بعض الأسماك وأعطيناها لعامل الفندق يطهوها وتناولناها على بعض الخبز والزبادي، وكان درساً قاسياً جعلنا نبادر للغداء مبكرين في بقية الأيام، وحاولنا أنْ نغتنم من خلالها لحم الماعز(التيوس) حيث وهو رخيص جداً مقارنة بلحوم الدجاج والأسماك، بل وأفضل كون لحوم الدجاج مجمدة والأسماك في مواسم الرياح مجمدة أيضاً وليست طازجة، لكن لحوم الماعز طازجة على مدار العام وأرخص بكثير، حيث يبلع سعر ربع التيس مع الأرز 2500ريال فقط، والسبب في ذلك يعود إلى أنّ أبناء الجزيرة لا يخسرون شيئاً في رعي الأغنام والمواشي، فهي ترعى نفسها وتظل في السهوب والجبال والأودية على مدار العام دون رعاة، حيث والجزيرة بأكملها تخلو من الوحوش الكاسرة كالأسود والضباع والنمور والذئاب والكلاب وأي حيوان مفترس، ما يجعل الأغنام والمواشي بغير حاجة لراعٍ، فهي تسرح وتمرح حيث تشاء دون خوفٍ من أحد، فلا البشر يسرقون ولا الحيوانات تفترس.. إذاً فصاحب الماشية لا يخسر عليها شيء، وهو يبيعها بسعر زهيد لا يتجاوز الخمسة آلاف ريال، وصاحب المطعم يبيعها بعد الطهي بضعف السعر، فالكُل هنا مستفيدون: البائع أو المواطن فهو يبيع شيئاً لم يخسر عليه شيء، والتاجر أو صاحب المطعم يبع بربح مضاعف، والمستهلك يشتري بسعر زهيد مقارنة بأسعار عموم مناطق ومحافظات اليمن.
-------(( جزيرة بدون كلاب )) -------------
* وعلى ذكر انعدام الوحوش والحيوانات المفترسة نذكر أنه لا يوجد كلب في عموم الجزيرة، وهم لا يعرفون شكل الكلب إلّا من خلال مشاهدته بالتلفزيون أو الصحف والمجلات.. ويذكر أهل الجزيرة أنه دخل الجزيرة قبل الوحدة كلبٌ برفقة صاحبه أحد الخبراء الروس، فسارع الأطفال إلى ضرب ذلك الكلب الذي رأوا فيه كائناً غير مألوف حتى مات، فاحتج ذلك الخبير الروسي واشتكى للسفارة الروسية بعدن، وكادتْ تنشب أزمة بين البلدين بسبب ذلك الكلب!!
حتى الطيور المفترسة لا توجد في جزيرة سقطرى البتة، وهناك نوع من الطيور الكبيرة يشبه النسر يُسمى (السعيدة) ويلقبه أهل الجزيرة بـ(البلدية) كونه مُسالِم ولا يعيش إلّا على فضلات الأطعمة وخاصة اللحوم والعظام التي يرميها الناس، فيقوم بأكلها وتنظيف الساحات من مخلفات الولائم فسماهُ الناس (البلدية).
ألم أقل لكم إنها جزيرة الأحلام والعجائب!!
إضافة تعليق
- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً