منذ اللحظات الأولى من صبيحة يوم الاربعاء 30 ديسمبر 2020م، بدأت الحشود تتزاحم أمام بوابة مطار عدن الدولي، ووجوهها تكسوها الفرحة والأمل مستبشرة بقدوم حكومة الكفاءات السياسية الجديدة، بعد نحو عام من انتظار استكمال تنفيذ اتفاق الرياض بتشكيل الحكومة.
وصلت بوابة المطار وانا اتمنى ان لا يعيق دخولي رجال الامن، وعند وصولي تفاجأت بحشود غفيرة من المسؤولين والقيادات العسكرية والأمنية والصحفيين، ومن كافة شرائح المجتمع، تنتظر هبوط الطائرة التي تقل رئيس واعضاء الحكومة، لاستقبالهم.
أوقفت سيارتي وخرجت مسرعا لعلي أتمكن من اصطحاب وكيل وزارة الخدمة المدنية عدنان عبدالجبار بعد أن لمحت وجوده على مقربة مني لأمضي معه إلى صالة الاستقبال، وعندما استوقفني احد رجال الأمن، أخرجت له بطاقة تدل على اني صحفي وان توجدي هدفه تغطية وصول رئيس واعضاء الحكومة، فطلب مني الانتظار للتأكد من وجود اسمي على قائمة المسموح بدخولهم.
وبعد دقائق من الانتظار تمكنت من الدخول الى صالة الاستقبال لانتظار وصول الطائرة التي تقل رئيس الوزراء وحكومته لتصل بعد ثواني من دخولي الصالة المكتظة بالجماهير .. وبينما كنت اقف وسط الازدحام سارع عدد من المواطنين باتجاه مدرج المطار عندها علمت أن الطائرة التي تقل الحكومة وصلت وبدأت أعد نفسي بانتظار نزولهم من سلم الطائرة لالتقاط بعض الصور.
وفي تلك اللحظة التي كنت اترقب نزول رئيس وأعضاء الحكومة من سلم الطائرة، وقع انفجار كبير هز المطار لتتحول الفرحة إلى خوف شديد وبدأ الذعر يبسط ظلاله على المستقبلين، فر العديد من الناس نحو بوابة الخروج لعلهم ينجون بحياتهم وانا معهم وإذا بصوت انفجار ثاني أشد عنفا طاير جثث الضحايا وناثر أشلائهم.
لم استطع تمالك نفسي وانا اشاهد الموت يحصد الارواح البريئة، فأنا أعيش حالة رعب شديد، وباسلوب الخائف المذعور بدأت ادفع بمن امامي لاتجاوزهم بالهروب.
سمعت كثيرة عن اهوال يوم القيامة ولكن لم اتخيلها يوما ما حتى رأيتها بعيني إثر الهجوم الإرهابي الغادر الذي استهدف مطار عدن الدولي، وكان همي كيف انجو ولا يهمني من سقط أو من الذي امامي كنت ادفع بكل من امامي حتى لا يعيق فراري من الموت الذي سيطر على مخيلتي ومخيلة من كان معي في صالة الاستقبال.
بدأت افكر بأسرتي التي تنتظر عودتي فالموت كان ماثلا أمامي كيف لا واصوات الجرحى تهز أركان المطار وبعض الجثث ملقية على الارض دون أن يلتفت لهم أحد حينها، وكنت كغيري من المواطنين، افر مسرعا باتجاه بوابة الخروج متجاوزا كل الحواجز لعلي أتمكن من الوصول الى خارج المطار لانجو بحياتي بعد أن شاهدت أهوال لم اشاهدها من قبل بحياتي، كما شاهدتها في وجوه الناس، ومن تعثر منهم وسقط الارض كان يصعب عليه النهوض فقد كانت الأقدام تدوس عليهم دون إدراك، فالموت كان هو الوحيد المسيطر على المكان.
وصلت أمام سيارتي وفتحت الباب وادرت محركها على عجل وانطلقت مسرعا باتجاه الساحل ولم أتوقف إلا امام المنزل الذي أسكن فيه مع اسرتي .. كان اصدقائي يتصلون بي ولكني لم استطيع سماع جرس الهاتف رغم انه امامي.
قلت في نفسي من المستحيل بقاء الحكومة على قيد الحياة، وصلت الشارع وكان المواطنون يفرون بكل الاتجاهات في مشهد يبكي القلوب وكان صوت أنين الجرحى يدوي في اذني والجثث المتناثرة لم تفارق مخيلتي.
وصلت إلى امام المنزل وتجهت مسرعا نحو سكني ففتحت لي زوجتي الباب قائلة لي: انت دائما تسبب لي الخوف والقلق أخبرتك أن لاتذهب الى المطار ولكنك لا تسمع كلامي .. قلت لها رئيس الوزراء والحكومة جميعهم قتلوا قالت كيف قتلوا من اخبرك سمعت بالأخبار أن الحكومة نجت ولم تصاب بشيء.
ولكني اصريت انهم ماتوا ولم يعد منهم احد فما رأيته كان مهول ومخيف ومرعب ومن عاش تلك اللحظة لا يمكن أن يقتنع بخروجهم احياء، الموت كان يحصد العديد من الأبرياء والجثث مضرجة بدمائهم على الأرض وأنين الجرحى واصواتهم تضج بها الجدران والفزع يسكن الافئدة والأرض ترتج وكأنه زلزال يشقها نصفين.
لم استطيع متابعة الاخبار ولا إعداد التقرير الذي كان سببا رئيسيا لذهابي إلى المطار فما زالت قدماي ترتجفان من مشهد يصعب علي نسيانه شعرت اني ولدت من جديد والقيت بجسدي على الفراش وبعد وقت قصير من نومي، صحوت مفزوعا بأصوات وأنين الجرحى التي لم استطيع نسيانها وكذلك الجثث الملقية في ساحة المطار تطاردني.
انها جريمة بشعة لا يمكن أن يقوم بارتكابها إنسان يمتلك ذرة من الاخلاق او قليل من الانسانية.
- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً