بلال الطيب
صِهلة التي تَحولت لدار النصر
الساعة 05:30 مساءاً
بلال الطيب
بعد إخماده لانتفاضة حبيش، توجه الأمير علي بن عبدالله الوزير (الذئب الأسود) صوب العدين، ثم تعز، ليدخل الأخيرة بقواته المُتحفزة ثالث أيام التشريق 9 سبتمبر 1919م، ولم يكد يحط رحاله فيها، وفي منزل أحمد علي باشا المُتوكل تحديدًا، ويأمر عساكره بالخِطاط في منازل مُواطني ذات المدينة، حتى فاجئه بعض أبناء جبل صبر بانتفاضة عارمة هدَّت كيانه.

وبعد إخماده لانتفاضة جبل صبر، بعث الأمير علي الوزير بقصيدة طويلة إلى الإمام يحيى حميد الدين، نثر فيها بزهو انجازاته وانتصاراته التي حققها مُنذ تحركه من مدينة صنعاء، حتى وصوله إلى مدينة تعز، ومنها نقتطف: وفي صبرٍ علوناه بصبر هو الجبل المنيف على الغمام فوافاه الجنود بصدق عزمٍ وطعن المُرهفات وبالسهام وكان صلاحهم وبذاك ذلت جميع الباغيين من الطغام

انتقل الأمير علي الوزير للإقامة في منطقة صهلة 1921م، وذلك بعد أنْ قام بنهب منزل الشيخ محمد حسن بشر، المطل على مدينة تعز، وأكمل بناءه، ونقل إليه أهله، وأسماه بـ(دار النصر)، النصر على أبناء الجبل، وغيرهم، وهو الاسم الذي أعطاه أيضًا لذات المنطقة، ثم أتبع ذلك ببناء منزل آخر أسماه (دار الشرف)، وطلا كلا الدارين بالنورة، وأنارهما بالكهرباء، بعد أنْ استقدم مُولدًا كبيرًا لذات الغرض.

وأتبع ذلك ببناء مسجد، وبرندة، ومدرسة خاصة بأبناء رجالات إمارته، ومحكمة، ومفرج، وجعل من تلك المنطقة - كما أفاد ابن أخيه المُؤرخ أحمد الوزير - قاعدة للواء تعز.

ومنع سكانها من البناء في الأماكن المُشرفة، واستحدث في مَداخل القرى المجاورة، وفي التباب المطلة على مقر إقامته أربع نوب حربية، وذلك بعد حادثة تنكيله بمشايخ تعز مارس 1923م، وأرفد تلك النوب بمجاميع قبلية من خُلص أنصاره.

ورتب في قرية الخسف الواقعة أسفل صهلة الشيخ صالح الطماح ومعه مجاميع من قبيلة بني عبد التابعة لعيال يزيد، وجعل منزل ذلك الشيخ المُستحدث سجنًا سياسيًا.

أما النوب الأربع السابق ذكرها، فقد كانت الأولى (نوبة الاحناش) على طريق قريتي الكُريفة، والقُويع، وجعل الذئب الأسود فيها مجاميع من حاشد تحت قيادة الشيخ حمود الأبيض.

والثانية (نوبة صبل النظام) في محلة العكد من قراضة العليا، على طريق قريتي القويع، والجُبَة، وجعل فيها النقيب محمد الشايف، ومجاميع بكيلية من بيت العذري، وكان هذا النقيب - كما أفاد الباحث عمر الشجاع - من أفضل القادة، وأعدلهم، تأثر بالفكر الصوفي السائد حينها، واستقر في دار الشجاع بضيافة الشيخ عبدالرحمن محمد الشجاع، وتوفي في ذات المنطقة، ودُفن في تُربة الشيخ عبدالقادر بن يحيى الطيب.

أما النوبة الثالثة فقد كانت تحت قرية الشِّعب، وجعل فيها الذئب الأسود مجاميع حاشدية تحت قيادة العريف يحيى بن سرحان المحجاني (كان له الدور الأبرز في إحباط حركة المقدم الثلايا أبريل 1955م)، وأخوه عبدالله. والرابعة (نوبة الجباري)، وجعل عليها الشيخ حميد الرداعي ومجاميع حاشدية أيضًا، وكانت هذه النوبة مُطلة على قرية الشِّعب وعلى النوب الأخرى، وهي مجاورة لدار الممطار (دار الشيخ بشر بن علي الصامت) الذي تم تحويله أيضًا إلى سجن.

ذكر الشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان سجن الممطار هذا في قصيدته التي خلَّد فيها توجه القاضي محمد محمود الزبيري، والأستاذ أحمد محمد نعمان إلى عدن 4 يونيو 1944م، واختيارهما نهج المعارضة العلنية لحكم الإمامة المظلم، حيث قال فيهما وفيه: صقران عافا الذل إذا فطنا لما بهما يُراد من الهوان فطارا طيرًا إلى خلف البسيطة حيث لا تجدان قاهرة ولا ممطارا.

إلى ذلك تحدث الباحث عمر الشجاع عن وجود نوبة خامسة (نوبة قراضة) في محلة الحومرة، وأفاد أنَّ مهمتها المزدوجة تمثلت بحماية دار النصر، وقلعة القاهرة على السواء. والراجح أنَّ هذه النوبة أمر الأمير علي الوزير بتشييدها فور انتقاله إلى منطقة صهلة.

تَعرضت منطقة صهلة (دار النصر) أثناء حَرب المحميات الجنوبية لقصف الطيران الإنجليزي 19 يونيو 1928م، وقد تم الرد على تلك الطائرات - كما أفاد الباحث عمر الشجاع - بمُضاد الطيران من نوبة قراضة، وسوم القعائد في محلة المجارين - قرية العدوف، ودار الممطار في الجباري، ولقيت المواطنة آمنة محمد فاضل الشجاع وفتاة أخرى حتفهما جراء ذلك القصف.

أما الأمير علي الوزير فقد غادر مقر إقامته، واختبأ في كهف بمحلة الرجم - قرية قراضة، وقد عُرف ذلك الكهف فيما بعد بـ(حود اللحم)، نسبة لكثرة طباخة اللحم فيه أثناء هروبه ذاك، وكشاهد عيان لتلك الحادثة.

قال المُؤرخ أحمد الوزير: «ثم جاءت الطائرات إلى تعز، وألقت قنابلها عليها، وعلى دار النصر، والعرضي، وقد اختفينا في الغار الذي كان شقه في حوش داري النصر، والشرف.. وفي اليوم الثاني أمر الأمير بنزول عائلته بنت أبو راس إلى كهف في الخسف.. وقد طلع إلى كهف فوق قرية قراضة».

بعد قيام ثورة 26 سبتمبر بخمس سنوات، تم إستعادة دار النصر والمرافق المضافة إليه، وتأسست في تلك المرافق أول مدرسة حديثة في جبل صبر، أسميت بـ(مدرسة الإصلاح التربوي).

في الوقت الذي عمد فيه أبناء المنطقة على هدم النوب الحربية المُطلة عليه؛ كي لا تذكرهم بسنوات الظلم والإذلال والشتات الذي عاشه أباءهم، وحلت محلها منازل عامرة بالمحبة والود.
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص